الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التسعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
أيها الإخوة؛ ينبغي من حينٍ إلى آخر أن نرجع إلى محور هذا الموضوع، الإنسان يمشي في طريق عريض، ثمّ ينتقل إلى طرقٍ فرعيّة، من حينٍ إلى آخر ينبغي أن يعود إلى أصل الطريق، فنحن في مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، فعلة وُجود الإنسان على سطح الأرض أن يعبد الله تعالى، أنت موجود هنا في هذه الحياة الدنيا من أجل أن تعبد الله، والمؤمن كلّ تصوّراته تنطلق من آيةٍ كريمة أو من حديث صحيح، فالله عز وجل يقول:
وفي أعلى مرتبةٍ وصلها بشر على الإطلاق، النبي عليه الصلاة والسلام وهو في سدرة المنتهى، قال تعالى:
أي أعلى مقامٍ تصلُ إليه أن تكون عبدًا لله تعالى، وكلّما ضَعُف إيمان المؤمن ضاقَتْ عنده مفاهيم العبوديّة، وكلّما ارتقى إيمان المؤمن اتّسعت عنده مفاهيم العبوديّة، العبوديّة ليسَت كما نتوهّم حركات وسكناتٍ يؤديها الإنسان وهو غافل، العبودية منهج كامل، للقلب عبادة، وللسان عبادة، وللعين عبادة، وللأذن عبادة، وللفِكر عبادة، وللجسم عبادة، فكلّ عُضو في جسمك له عبادة، وفي كل وقت له عبادة، وفي كلّ مقام له عبادة، وفي كل ظرف له عبادة، فالعبادة تدور مع الإنسان حيثما دار، حتى في أفراحه، حتى في أحزانه، حتى في لهوه مع أهله، حتى في أشدّ العلاقات خصوصيّة هناك عبادة.
أما المسلمون حينما ضعُفوا مسخوا الإسلام إلى عبادات شعائريّة، مع أنّ كلّ آية في القرآن الكريم تقتضي الوجوب.
أيها الإخوة؛ ماذا يمنع أن نقرأ كتاب الله عز وجل وأن نشير إلى أيّة آية فيها أمر وإلى أيّ آية فيها نهي بإشارتين؟ لأنّ كلّ أمر في كتاب الله تعالى يقتضي الوجوب، وإنّ كلّ نهيٍ في كتاب الله يقتضي الاجتناب، فأنت كمؤمن عندك بنود كثيرة جدًّا ومتنوّعة جدًّا، وتغطّي كلّ نشاطات حياتك، وكلّ أوقاتك، وكلّ الأماكن التي أنت فيها، وفي الأزمان التي أنت فيها، وفي النشاطات التي أنت فيها، فالعبادة منهج كامل، أما حينما أخذنا منها ما يعجبنا، وتركنا ما لا يعجبنا، فنحن في مؤخّرة الأُمم.
كلمة.
أيها الإخوة؛ قدمت هذه المقدمة من أن العبادة هي علّة وُجودنا، وسرّ وُجودنا، وغاية وُجودنا، وأنّ الله عز وجل خلقنا لنعبدهُ ، فإذا عبدناه سعِدنا بقربه، فخلقنا ليُسعدنا:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾
خلقنا ليُسعدنا عن طريق عبادته، والعبادة معرفة وطاعة وسعادة، هذا الشيء تكلمت عنه كثيراً فيما مضى، أما الآن أدخل إلى تفاصيل هذا الدرس، هذا الدرس عبادات اللّسان، أوّل عبادة للّسان النّطق بالشهادتين، لو رجعت إلى القرآن الكريم لوجدتَ أنّ النطق وحدهُ لا يكفي، قال تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
فهذه الكلمة كلمة التوحيد، هذه الكلمة هي كلمة الإسلام الأولى، لا معبود بحقّ إلا الله، ليس في الأرض جهةٌ تستحقّ العبادة إلا الله، وليس في الأرض جهةٌ تستحق أن تهبها عمرك إلا الله، وليس في الأرض جهة تستحقّ أن تلتفت إليها إلا الله، وأن تخلص لها إلا الله، وأن تُقبل عليها إلا الله، هذا معنى لا إله إلا الله، ولا معطي ولا مانع، ولا معزّ ولا مذلّ، ولا رازق، ولا قابض ولا باسط، ولا رافع ولا خافض إلا الله، هذه الكلمة أوّل عبادة في الإسلام من عبادات اللسان، النطق بالشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
تلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن، العبادة الثانية لهذا اللّسان تلاوة القرآن، والقرآن كتاب الله المنزّل على نبيّه عليه الصلاة والسلام، المُتَعبّد بتلاوته، أنت إذا قرأته وتلوتهُ آناء الليل وأطراف النهار فأنت في عبادة لأنّه كلام الله عز وجل، طبعاً تلاوته على نحوٍ صحيح من أجل أن تصِحّ صلاتك.
3-التلفظ بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها رسوله:
ثمّ إنّ من عبادات اللّسان التلفّظ بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها رسوله، أي الله أكبر، سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد والشكر والنعمة والرضا، ربّي لك السجود وأنت الرب المعبود، هذه الأذكار التي ذكرها النبي في الصلاة، والتي هي من لوازم الصلاة، أيضًا هذه من عبادات اللّسان، كالتسبيح في الركوع والسجود، والاعتدال، والتشهّد، والتكبير، أذكار الصلاة مع تلاوة القرآن في الصلاة مع النّطق بالشهادتين هذه من عبوديات اللّسان الواجبة.
ما من شيء في الحياة إلا وينطبق عليه أحد الأحكام الخمس:
بالمناسبة نحن يوجد عندنا واجب، يوجد عندنا مستحب، عندنا مباح، عندنا مكروه، عندنا محرّم، تقريباً خمسة على اختلاف بين المذاهب، واجب فرض، مُستحب، مباح، مكروه، حرام، ما من شأن في الحياة، ما من شيء في الحياة، ما من حركة في الحياة، ما من تصرُّف في الحياة، ما من نطق في الحياة إلا وينطبق عليه أحد هذه الأحكام الخمس، المؤمن بعد أن يعرف الله عز وجل، شغلهُ الشاغل وهمّه الأوّل أن يتعرّف إلى أمره ونهيِهِ، هذا مباح، هذا حلال، هذا حرام، هذا مكروه، هذا مُستحبّ، الواجب أي الفرض للسان أن ينطق بالشهادتين، والفرض أن يتلو القرآن في الصلاة تلاوةً صحيحة تصحّ بها صلاته، والواجب هذه الأذكار التي ذكرها النبي في الصلاة، كالتكبير والتشهّد، وأذكار الركوع والسجود وما إلى ذلك.
الآن ومن الواجبات على اللّسان ردّ السلام، ابتداء السلام سنّة مؤكّدة، أما ردّ السلام فهو فرض واجب، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)﴾
فردُّ السلام من واجبات اللّسان.
2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من واجبات اللّسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال عنها العلماء: هذه هي الفريضة السادسة، بل إنّ هذه الأمّة التي كرّمها الله عز وجل، والتي وصفها بأنّها خير أمّة أُخرجت للناس، هذه الأمّة عِلّة خيريّتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾
لذلك تكاد تكون هذه الفريضة معطّلة في العالم الإسلامي، يسكت، يُجامل، لا يستنكر، لا يعلن ولاءه، لا يعلن براءته، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، وهي علة خيرية هذه الأمة، ولو تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان هذا الترْك سبب هلاك الأمّة، الدليل، الله عز وجل أهلك بني إسرائيل لأنهم:
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)﴾
انْظر إلى بيوتات المسلمين، قد تأتي بنت الأخ بأبهى زينة وهي في الطريق، العمّ يُرحّب بها، ويُكَرّمها، ويستقبلها، ويثني عليها، وعلى أناقتها، ولا يلفتُ نظرها إلى خروجها غير الشرعي، لذلك لمّا أراد الله إهلاك قريةٍ أرسلَ ملائكته لإهلاكها، فإذا فيها رجل صالح، قالوا: يا رب إنّ فيها رجلاً صالحاً، قال: به فابدؤوا!! عجيب، قال: لأنه كان لا يتمعّر وجهه إذا رأى منكرًا، فهذا الذي لا يأمر، ولا ينهى، ولا يستنكر، لا بيده، ولا بلسانه، ولا بقلبه، وكأنّه راضٍ عمّا يفعله الناس، هو شريك هؤلاء الناس في الإثم.
من واجبات اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من واجبات اللسان الواجب أي فرض، عند بعض المذاهب الفرض ثمّ الواجب وبينهما درجة واحدة، أي أقل الواجب أقل من الفرض بدرجة، والفرض أعلى بدرجة من الواجب، أما في بقيّة المذاهب الواجب هو الفرض، فهنا اختصارًا واجب، مستحب، مباح، مكروه، حرام، الخمر حرام، الخنزير حرام، الصلاة فرض، الإقامة سنّة أي مستحبة، أن تأكل فاصولياء مباح، واجب، مستحب، مباح، إنسان لبس ثيابًا بيضاء، ثياباً زرقاء، ثياباً خضراء، جلس على كرسي، جلس على الأرض، مباح، أكل أي طعام مادام حلالاً، فالمباح لا أمر فيه ولا نهي، يستوي فيه الفعل والترك، هذا المباح، المستحبّ يُفَضّل أن تفعله، الواجب يجب أن تفعله، المكروه يُفضّل ألا تفعله، الحرام يجب ألا تفعله، هذه كل حياتنا هكذا؛ واجب مستحب مباح مكروه حرام.
فقال: ومن واجبات اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل، التعليم واجب، إنسان سألك يجب أن تُجيب، إن سُئِلت وأنت لا تعلم يجب ألا تجيب، أي قصة لا أذكر تفاصيلها إلا أني أذكر أن إنساناً كان في سفر مع أصحاب رسول الله، وقد أصابته الجنابة، فسأل أحدهم فأفتى له أن يغتسل، فاغتسل فمات، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله، والنبي قلّما يقول: قتلهم الله، لأنك لا تعلم يكفي أن يتيمم، كان فيه جرح طبعاً، يكفيه التيمّم، فلمّا أشار عليه أن يغتسل اغتسل والتهب جرحه ومات، فقال عليه الصلاة والسلام غاضبًا أشدّ الغضب: قتلوه قتلهم الله، فإن كنت تعلم تكلّم، إن كنت لا تعلم عبادتك أن تصمت، قل: لا أعلم، اسألوا، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾
اسأل.
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ من هم أهل الذِّكْر؟ هم أهل الوحي؛ القرآن، الدّين وحي، نقل، البشر على سطح الأرض، ورحمة الله تقتضي أن يُنبّههم، أن يُرشدهم، أن يعرّفهم، أن يهديهم سواء السّبيل، فأنزل على نبيّه القرآن الكريم، وأمره أن يبيّن هذا القرآن الكريم، هذا هو الدِّين كلّه؛ قرآنٌ منزّل، وسنّة مبيِّنة، من هم أهل الذّكر؟ هم الذين يعرفون كلام الله وكلام نبيّه، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ .
4-ألا تقول على الله ما لا تعلم:
من واجبات اللّسان تعليم الجاهل، لكن أن تقول على الله ما لا تعلم هذا من أعظم المعاصي، وربّنا عز وجل فيما أذكر في سورة الأنعام ذكر المعاصي ورتّبها ترتيبًا تصاعديًا، فذكر الإثم والعدوان، والفحشاء والمنكر، وذكر الشّرك، وذكر الكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي:
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾
الإمام الغزالي يقول: العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهْون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، بالعقيدة لا يوجد تقليد يا إخوان، أنا سأقول كلاماً خطيراً جداً: لو أنّ الله قبِلَ من عباده عقيدةً تقليدًا لكانتْ كلّ الفرق الضالة على حقّ، ما ذنبُ أتباعها؟ ما فعلوا شيئًا، لُقِّنوا عقيدة فقبلوها، معنى ذلك أن كل الفرق الضالة على حق، لأنهم لُقِّنوا عقيدة فقبلوها، في العقيدة لا تُقبل إلا تحقيقًا، ولا تُقبَل تلقينًا، ولعلّ المستند في ذلك قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ والعلم يقتضي البحث، والدرس، والأدلة، والتحقيق، والتقليب، والموازنة، إلى آخره، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات اللسان وتعليم الجاهل، والله مرة أخ حدثني قال لي: يعود الفضل في توبتي إلى سائق تاكسي، كنتُ أشربُ الخمر، اشتريتُ بعض الزجاجات، وقد ظهر بعضها في الوعاء، ركبتُ سيارةً في أيّام الصيف، وكان هناك ازدحام شديد جداً، وأزمة مواصلات حادة، فلمّا لمحَ السائق الخمرة في يدي أوقفَ السيارة، وطردني من سيارته، وبقيتُ ساعةً لا أستطيع أن أركب سيارة، لأزمة المواصلات المستحكمة، فعندها تبتُ إلى الله عز وجل.
سمعتُ قصّة والله لطيفة، وإن كانت ظهرت من عامْيّ، سائق تاكسي على خط بيروت، جاءه شابّ وشابّة يركبان معه إلى دمشق، ثمّ سألاه أن ينتظر قليلاً لأنّ شخصًا سيأتي بحقيبة، فانتظر السائق فترةً لعلها طالتْ، فبدأ يتبرّم، ثم جاء شخص في الثمانين أو في السبعين، يحملُ على رأسه حقيبة، فأخذها الشاب منه، ووكزه على صدره، وقال له: لماذا تأخّرت؟ السائق لم ينتبه، تابع السير، بعد خمسة كيلو متر من المسير تقول الزوجة لزوجها: لماذا ضربْت أباك؟ فوقف السائق! صف جانباً، قال له: هل هذا أبوك؟ فقال: نعم، فقال السائق: انْزلوا من هنا، الآن نعمل حادثاً، بهذه البساطة الشديدة، هذا الأمر بالمعروف، فإذا أنت ممكن أن تتكلّم بكلمة غلط الناس كلهم يجتمعون عليك، ممكن تتكلم كلمة غلط، تعمل عملاً غلطاً الناس جميعاً، مرة قال لي شخص: أنا لا أقول افعلوا هذا.
سائق سيارة متفلّت جدًّا، كان يسمع أُغنية ساقطة، لا تذاع إلا بالملاهي الليلية، وقفَت امرأة محجّبة، وقالت لهذا السائق، وكان في الباص خمسون رجلاً، كلهم ساكتون، قالت له: هذا الشريط اسمعه في بيتك، أما هذه السيارة ليسَتْ ملكك، ملك هؤلاء الركاب جميعاً، فاستحيا، أي سائق متفلت وضع شريطاً منحطاً والكل ساكت، إنسان يسبّ الدّين وكلّهم ساكتون، يفعل المنكر والكلّ ساكتون، لذلك هؤلاء الذين لا يتناهوْن عن منكر فعلوه يستحقّون غضب الله عز وجل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة، وعدم الأخذ به سبب هلاكنا، بالتعبير اليومي المجاملات، لا تُحْزِنه، لا علاقة لنا، قثاء مائل هذه آية أم حديث؟ معنى ذلك يقول لك: سِر في جنازة ولا تمش بزواجة، أين أعظمُ شفاعةٍ بين اثنين شفاعة النكاح؟! نحن صار عندنا عادات وتقاليد لا علاقة لها بالدّين إطلاقًا.
5-إرشاد الضال وأداء الشهادة المتعينة وصدق الحديث:
تعليم الجاهل من واجبات اللسان، إرشاد الضالّ من واجبات اللّسان، أداء الشهادة، أنت راكب سيارة، والسائق يمشي على اليمين، وبسرعة نظاميّة، على الستين، وطفل قفز أمامه ومات، وأنت الشاهد الوحيد، والله إن لم تذهب مع هذا السائق إلى المحكمة، وتُعطّل عملك يومًا أو يومين، وتنقذ هذا السائق من عقاب شديد جدًّا، أو من تكليف لا يحتمله فأنت لسْتَ مؤمنًا، لا علاقة لي، يبعدوني يومين عن عملي، أنت مؤمن، تعطل يومين، عدلُ ساعة أفضل من أن تعبد الله ثمانين عامًا، أحياناً شهادة حاسمة، أنت شاهد ورأيت بعينك أن هذا السائق لم يفعل شيئاً، يمشي بشكل طبيعي ونظامي، وأن هذا الطفل هو الذي قفز أمامه، أما لو كُتِب الضبط أنه كان هناك سرعة عالية جداً، اختلف الوضع، الحُكم كله اختلف، لذلك قالوا: إنّ حجرًا ضجّ بالشكوى إلى الله عز وجل، قال: يا ربّ، عبدتك خمسين عامًا وتضعني في أُسّ كنيف؟ فقال الله له: -القصة رمزية- تأدَّب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم، أي أن يكون هذا الحجر في أسّ كنيف أفضل ألف مرة من أن يكون في مجلس قاضٍ ظالم.
إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وأداء الشهادة المتعينة، وصدق الحديث، هذه كلّها واجبات.
المستحبات:
المستحبات تِلاوة القرآن، الواجب تلاوته في الصلاة المفروضة تلاوةً صحيحة، أما المستحبّ أن تتلو القرآن الكريم، وتداوم على ذكر الله تعالى لقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾
والمذاكرة في العلم النافع، وتوابع ذلك، ذِكر الله عز وجل بأوسع معاني هذه الكلمة بدءاً من الدّعاء، والاستغفار، وأذكار النبي عليه الصلاة والسلام، والدعوة إليه، وسماع العلم، وتلاوة القرآن، وكلّ هذا متّصل بالذّكر،
(( عن أبي الدرداء: ألا أُخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم لكم وأزكاها عندَ مَليكِكم، وأرفعِها لدرَجاتِكم، وخيرٍ لكم مِن إعطاءِ الوَرِقِ والذَّهَبِ، وخيرٍ لكم مِن أن تَلْقَوا عدوَّكم فيضرِبون رِقابَكم وتضرِبون رِقابَهم ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ. ))
[ مجمع الزوائد: إسناده حسن ]
1-النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله:
أما ما هو محرّم على اللّسان قال: النّطق بكلّ ما يبغضه الله ورسوله، الغيبة تًغضب الله، النميمة تُغضب الله، المحاكاة تغضب الله، التحريش بين المؤمنين يُغضب الله، السّخرية تغضب الله، الإفك يُغضب الله، البهتان يغضب الله، كلّ كلامٍ يغضب الله، الفحش يُغضب الله، تتبّع العورات يغضب الله، المُحرم هو النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله، ثمّ النطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله، فالمحرمات من أعمال اللسان النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله، كالنطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله، أي شيء ما جاء بالقرآن ولا بالسنّة، نُروِّجُهُ ونذكرهُ ونبتدعهُ، والدّعاء إلى هذا الشيء المبتدع، ذكره والدعوة إليه هذا محرم، وتحسينه وتقويته.
مثلاً فلانٌ يدّعي أنّه يعلم الغيب، يقرأ الكف، يقرأ في الفنجان، يُمسك بحظك هذا الأسبوع، أبراج السماء، هذا كلّه محرّم، فالحديث عنه والدعوة إليه، وتعال نقرأ بُرجنا في هذه المجلة، فالحديث عنه والدعوة إليه وترويجه وتحسينه، وهناك بدعة أننا نأخذ اسم الشخص ندقق بحروفه، وكل حرف له رقم، نجمع الحروف، إذا كان الجمع زوجياً أو فردياً، يكون سعيداً أو شقياً، كله كلام ما أنزل الله به من سلطان،
(( عن عبد الله بن مسعود قال: من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد. ))
[ صحيح الترغيب: صحيح موقوف ]
ومن أتى ساحراً فلم يصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً ولا دعاء أربعين ليلة.
2-النطق بالبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان:
من المحرمات النطق بالِبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، إن فلاناً يفكّ السّحر، وفلاناً يوفّق بين الزوجين، وهذا الشيخ مثلاً يجلب الرّزق، هذا كلّه باطل، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)﴾
انتهى.
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
أشد إيضاحاً، فإذا كان عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًا، فلأن لا يملك لغيره من باب أولى، أما أن يأتي إنسان هذا يُوفِّق بين الزوجين، بتمتمات، وماء وملح، وقراءات، وحُجُب فيها خطوط لا معنى لها، وكلمات غير مفهومة، كل هذا خلاف الشرع، فمن يذكر هذا أو يدعو إليه أو يُحسنه أو يُرَوجه، فقد وقع في محرمات اللسان، القذف أن تتّهم امرأة بالزنا وهي ليسَت كذلك، خبر، وأنا قناعتي هناك شيء من مستوى القذف، يُذكر اسم امرأة لا يتكلّم ولا كلمة، هذا قذف، أحياناً حركات بالوجه، حركات بالحواجب، تمطّ، والله فلان صاحب دين، ما فعل شيئاً، فقط أمال حنكه، هذا قذف، ورد في الأثر أنّ قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، هذا من معاصي اللّسان الكبيرة، القذف، سبّ المسلم، هذا مسلم، هذا يخاف الله، لص، هل أنت متأكّد؟ نعم لص، أعوذ بالله هذا قذف، كلّكم جميعاً تتوهمون أن الإنسان إذا قذف امرأة يُجلد ثمانين جلدة، الحكم نفسه إذا قذف رجلاً، إذا قال عن إنسان: زانٍ، يجلد ثمانين جلدة.
قصة قرأتها أو سمعتها أن امرأة كانت تغسّل ميّتةً، فإذا بيدها تلتصق بجلد هذه الميّتة، وبعد محاولات يائسة لم تستطع نزْع يدها من جلدها، فقالوا: ما الحل؟ نقطع جزءاً من لحم الميّتة أم نقطع يد هذه المغسّلة؟ يروى أنّ هذه القصّة وقعت في عهد الإمام مالك إمام دار الهجرة، فقال الإمام مالك: لعلّ هذه المُغسّلة اتَّهَمتها بالزنا، اجلدوها ثمانين جلدة، فبعد هذا الجلد فُكَّت يدها، وهي ميتة اتهمتها بالزنا فاستحقت الجلد، وهي ميتة، فقذْف محصنة من الكبائر، سبّ المسلم من الكبائر، إيذاء المسلم بالقول، السباب الفاحش من الكبائر، الكذب، المؤمن لا يكذب، أخرج ابن عدي والبيهقي،
(( عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب. ))
[ شعب الإيمان: البيهقي: ضعيف ]
المؤمن لا يكذب، شهادة الزور هذه التي تُحيل الحق باطلاً والباطل حقًّا.
حدّثني أخ قال لي: عندي مخالفة، هو طبعاً غير ملتزم، فقال له: ائت بشاهد أنّ هذه المخالفة لم تقع نعفيك من الحكم، الحكم سجن شهرين، بحث عن شاهد، طلب منه خمسة آلاف، قال له: لأنّني لم أرَ ما فعلت، أريد ثمن شهادة الزور، يبدو الشاهد يشهد أول مرة دخل إلى المحكمة فوجد مصحفاً، فقال له: أريد عشرة آلاف الآن، لأنّ هناك يميناً! قال له: سوف أحلف يميناً كاذباً.
فشهادة الزور من المحرّمات، الكذب من المحرّمات، إيذاء المسلم بالقول من المحرّمات، سبّ المسلم من المحرّمات، قذف المرأة المحصنة من المحرّمات، الحديث عن البدع، والدعوة إليها، وترويجها، وتحبيبها للناس، هذا من المحرّمات، والقول على الله بما لا تعلم، أخي الله خلق الإنسان كافرًا، وسوف يضعه في النار إلى أبد الآبدين، وهذا الحاضر، وإذا لم تعتقد هكذا اشنق نفسك، هكذا في بعض الآيات:
﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)﴾
هذا الحاضر، هذه دعوة أساسها الجهل، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)﴾
هناك دعوة إلى الجبريّة، أنّ الإنسان مجبور على كلّ أعماله، يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة، ما هذا الكلام؟ الله عز وجل لا يُجبِر أحداً على معصية، ولا يكتب على إنسان شيئاً، وليس له علاقة به، فالجاهل يُصَوّر الله عز وجل على أنّه خلق الكافر كافرًا، وقدّر عليه الكفر، وقدّر عليه المعاصي والآثام، ثمّ يضعه في النار إلى أبد الآبدين، يفعل ما يريد، طبعاً هذا من أشدّ المحرّمات في اللّسان، أن يقول على الله ما لا يعلم، قال: وهذا أشدّها تحريماً.
مكروه التكلّم ما تركه خير، مثلاً يقول: كم يعطونك معاشاً بالشهر؟ دعهُ في حال سبيله، هو راضٍ، يقول له: قليل، هل يكفونك؟ يجب أن تترك من عندهم، هذا كلام:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. ))
لماذا طلّقها؟ طلقها، ما السبب؟ لا تنجب، ليكون منه أيضاً؟ هذا كله كلام حشري، قال: هذا المكروه التكلّم بما تركه خير من الكلام به، يوجد أناس حشريون، سؤال وراء سؤال وراء سؤال، أين تسكن؟ بالمكان الفلاني، إن شاء الله البيت ملك؟ لا والله أجرة، كم مستأجره؟ إن شاء الله العقد سياحي؟ لا والله، إياك أن تغتصب البيت، نمطه حشري، قال هذا: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
الكلام الذي يستوي فيه الكلام وعدم الكلام:
بقي شيء؛ هناك كلام على خلاف بين العلماء يستوي فيه الكلام وعدم الكلام، أي كلام لم يتعلّق به طاعة ولا معصية، هذا اللّون مناسب لهذا البيت، كلام إن قلت مناسباً لا تؤجر، وإن قلت غير مناسب لا تأثم، كلامٌ لا يتعلّق به لا طاعة ولا معصية، هذا الدرس من عبادات اللسان، ويجب أن نعلم أن كلّ عضو وكل جارحة في الإنسان لها عبادة، واليوم كان الدرس حول عبادات اللسان، وكل أعمال الإنسان بين واجب ومستحب ومباح ومكروه ومحرم، والمؤمن الصادق يسأل نفسه دائمًا عن كل شيء، ما حكم الشرع في هذا الشيء؟ فرض؟ سنة؟ مباح؟ مكروه؟ محرم؟ يجب أن تعلم أن كل فعل وكل ترك لابد من أن يخضع لهذه الأحكام الخمس، والمؤمن بعد أن يعرف بالله، لا همّ له إلا أن يطيعه، والطاعة تحتاج إلى معرفة الأمر والنهي، فلذلك معرفة منهج الله عز وجل وأمره ونهيه جزءٌ أساسيّ من الدّين.
الملف مدقق